samedi 10 mars 2012

أهلا بثقافة الاختلاف

لا أدري لماذا (يحمق) البعض وكأنما يهوله انه قد شتِم أو انتهِكت كرامته عندما تقع على مسامعه كلمة (اختلف معك)! فيجَن جنونه، ولا تهدأ سريرته حتى (يسحق رأيه) أو بالأحرى يطمس هذا الاختلاف! وكأن لسان حاله يقول: مَن يظن نفسه هذا مدّعي (الفهامة)؟ أيظن نفسه على صواب وأنا خطأ؟ متعاملا بمبدأ (رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب) !!  ولا يكتفي بذلك فحسب، بل يتم تصنيف المتهَم على هواه، بالتطرف الديني تارة، وبالعلمانية أو الليبرالية تارة أخرى، أو يرميه بالطائفية أو الزندقة، أو قد يسحب منه الجنسية والشخص الآخر في حالة ذهول من ردة الفعل!!
مع أن كلمة الاختلاف في حد ذاتها ليست سيئة أو سلبية كما درج على البرمجة الفكرية للكثيرين، بل ربما تكون ايجابية في الغالب الأعم، واستطيع أن اقنعك بذلك عزيزي القارئ في جملة اسطر، فيقال مثلا لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، ويقال أيضا اختلاف العلماء (رحمة)، والله سبحانه وتعالى خلق الناس شعوبا وقبائل (مختلفين) ليتعارفوا، وفي الحياة العاطفية يفضّل أن يكون هناك بعض الاختلاف في الشخصية والفكر بين الزوجين ليكمل كل واحد منهما ما ينقص الآخر. وحتى نحن كمبتعثين، برنامجنا قائم على وجود الاختلاف اصلا بيننا وبين من نقيم في بلدانهم سواء علميا أو حضاريا. وكذلك دراسيا، قد يكون التشابه (وهو نقيض الاختلاف) في حل الواجبات أو تقديم الأبحاث مثلا سببا منطقيا في الطرد من الجامعة.
اذا المشكلة ليست في كلمة الاختلاف نفسها، بل في فهم ثقافة الاختلاف، فبدونها تكون المصائب والعواقب (المهلكة). فما طرد الله إبليس من الجنة إلا لفقدانه لهذه الثقافة، وما قتل قابيلُ هابيلَ إلا لذات السبب، وما قامت الحروب والملاحم الطاحنة عبر التاريخ ولا تؤجج بها الفتن بين الفرق والأحزاب المختلفة إلا بها. بل أكاد أجزم أن جميع ما نعيشه اليوم من معارك سياسية، ودينية، ومذهبية، وقبلية، وفكرية وحتى الزوجية منها كلها قائمة على محور واحد: (إيّاك أن تختلف معي)!!
اعتقد انه لقد حان الوقت لتعلم هذه الثقافة لتكون منهج الحياة القادم، وأرجو ان لا أكون مبالغا ان طالبت بإضافتها للمناهج الدراسية، ولنا في سير العظماء أسوة حسنة في إيمانهم بثقافة الاختلاف، فهذا سيدنا عمر يقول: ((اصابت امرأة وأخطأ عمر)) فأفلح سياسيا، وهذا الأديب أحمد لطفي السيد – مفكر مصر في زمانه- يصدح بجملته الشهيرة: ((الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية))، وهذا المهاتما غاندي يقول : ((الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء)) . وروي عن الإمام الشافعي قوله لأحد مخالفيه: ((ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟؟)).
ألسنا نفتقر إلى هذه الثقافة؟

ثقافة الاختلاف المفقودة


قد يكون سوء التعامل مع المختلف في مجتمعاتنا العربية والإسلامية أحد أهم عناصر تأخرنا وفشلنا بين الأمم
ذلك بأنه يشكّل الوقود لمحاولات إشعال الفتن بين شعوب العالم العربي والإسلامي من قبل من يتربّص بهذه الأمّة ويسعى لتمزيقها وتفتيتها، إضافة إلى تخريبه النسيج الاجتماعي في بلادنا
الغريب أن نجد الدول الأكثر اختلافًا في الغرب تسعى لإيجاد كلمة سواء بينها في سبيل تحقيق المصالح المشتركة، وبالمقابل نجد الدول العربية والإسلامية تتناحر على اختلافات تافهة، لا تقتصر على الحكّام بل تمتد إلى الشعوب كذلك، نذكر على سبيل المثال لا الحصر الصراع المصري-الجزائري حول لعبة كرة قدم، الذي أخذ أبعادًا سياسية وأوشك أن يشعل حربًا بين البلدين وفقًا لبعض التحليلات. 
فلو ألقينا الأنظار إلى أوروبا، سنرى شعوبًا ودولاً مختلفة بلغاتها وثقافاتها وعاداتها ومذاهبها، وقد تقتصر هذه الاختلافات على أبناء الشعب والوطن الواحد، إنما لا تمنعهم هذه الاختلافات من الاتحاد لمصالح وأهداف مشتركة. ولو صرفنا الأنظار نحو عالمنا العربي والإسلامي، نجده يشمل الاختلافات العديدة كذلك، إنما ليس بالنسبة التي تشهدها الدول الغربية والأوروبية على وجه الخصوص، خاصّة للرابطين العقدي واللغوي الوثيقين، إنما بالرغم من ذلك ما زلنا لا نجيد ولا نحسن لغة الاختلاف. 
لبّ المشكلة يكمن في تحويل الاختلاف إلى خلاف؛ فالاختلاف محمود وسنّة من سنن الله في كونه: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118-119)، أما الخلاف الجاهلي المؤدي إلى نزاع وتناحر فمذموم، وأول أسباب هذا الخلاف هو ظن الإنسان أيًا كان أنه يملك الحقيقة المطلقة، مما يؤدي إلى التكبّر على تقبّل الحق الذي يغفل عنه، حتى أن بعضهم يظن أنه فوق السؤال والمجادلة 
يشكّل الجهل العامل الأول في انعدام ثقافة الاختلاف، ولا يقتصر الجهل في غياب العلم والفقه، إنما يرافقه الجهل بالأدب والأخلاق وأساليب الحوار البنّاء الذي تنهض وتقوى به الأمم 
ضرب الله لنا أروع الأمثلة في كتابه الكريم، إذ شارك الملائكة حين أراد أن يجعل في الأرض خليفة؛ {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} (البقرة: 30-33)، وفي هذا الحوار عبر للبشر، فالله سبحانه وتعالى، الذي {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء: 23) وعالم كل شيء العزيز القدير، يتحاور مع ملائكته ويبيّن لهم بالحجّة والدليل والبرهان، وهو الغني عنهم وعن العالمين. 
إننا - وتحت مطر قذائف الفتنة والفساد على أمّتنا - أحوج الناس إلى بناء ثقافة الاختلاف؛ ثقافة تعتقد بأنها على حق ولكن لا تنزّه نفسها عن الخطأ، ثقافة لا ترى أن كل ما يختلف عنها باطل وتنظر إليه نظرة استعلائية، بل تراه بأسوأ الحالات خطأ يحتمل الصواب، وبأحسن الحالات مختلف مكمّل يجب استقطابه والاستفادة منه 
ينطبق ذلك على كافة مكوّنات المجتمع؛ من الأسرة إلى العائلة، من المدرسة إلى العمل، من المؤسسات إلى الأحزاب ومن الأعراق إلى المذاهب، فلنحصّن أنفسنا ممّن لا يريدون بنا خيرًا ولا يرقبون فينا إلاًّ ولا ذمّة، ولنوقّف استباحة عقولنا ونفوسنا من سموم الغزو الفكري والثقافي الهدّام


ثقافة الخلاف و الإختلاف



نشأت أغلبية مجتمعاتنا العربية على ثقافة يسود فيها الخلاف، الخلاف بمعنى مخالفة كل ما هو يعارض أفكارنا و تفكيرنا و ميولاتنا. و تجد ثقافة الإختلاف تلك إلى جدورنا و موروثنا القبلي و الأسري، بحيث تتجدر هاته الثقافة الرجعية و السلبية في محيطنا و بيئتنا العربية و ترسخت في اللاشعور العربي نتيجة للتخلف و التأخر الذي عرفته مجتمعاتنا على مختلف المجالات في العقود الأخيرة، و ذلك نتيجة عوامل داخلية و خارجية. و يرجع سبب ثقافة الخلاف التي نعاني منها كشعوب عربية إلى الأنظمة القبلية التي سادت و لا تزال سائدة في بعض الدول العربية بالإضافة إلى الزعامات السياسية الأحادية و المهيمنة و الديكتاتورية التي حكمت و لا يزال معظمها يحكم  دولنا العربية. الشيء الذي جعل معظمنا يتبنى ثقافة الخلاف و يرفض الإختلاف شكلا و مضمونا



حتى داخل الأسر نجد هيمنة كبير العائلة على بقية افراد الأسرة في اتخاد القرارات و إصدار الأحكام و حتى في فرض أفكاره و جعلهم يتبنوها دون السماح بمناقشتها و إبداء الرأي فيها، وهكذا يقلد الأب الجد في السير على منوال والده و الإبن مع إبنه حتى انتشرت العدوى في المجتمع كانتشار النار في الهشيم.


كما يرجع ذلك إلى عدم اتباع سيرة رسولنا محمد عليه الصلاة و السلام و الذي كان يؤمن بثقافة الإختلاف و التي هي مناقضة لثقافة الخلاف حيث أنه كان عليه الصلاة و السلام يشاور حاشيته و يستشيرهم و يأخذ بآرائهم و مقترحاتهم و الأمثلة على ذلك كثيرة.


أما في زمننا هذا فلكبير العائلة و لمن هو أكثر منا منصبا و جاها الحق في قبول و رفض أي شيء. و كلامه مقدس و لا يصح مناقشته أو حتى إبداء ملاحظة على كلامه أو أعماله و قد يكون مصير الفرد السجن و في بعض البلاد العربية القتل إن تفوه برأي مخالف أو مناقض لكلام الزعيم. وهذا ما يجعل مجتمعاتنا أغلبها فاقدة لروح المبادرة و للإنتاج الفكري و الثقافي و الفني بالإضافة إلى استفحال مظاهر الإجرام و القتل و الإرهابولذلك آثار سلبية على تنشئة أطفالنا و نموهم الفكري و القيمي نتيجة لترعرعهم في ثقافة خلافية تجرم و تكفر و تقصي كل من سولت له نفسه مناقشة كبيرنا من الأب إلى الحاكم. ونجد عكس ذلك في الدول المتقدمة و الديمقراطية، حيث أن الطفل يغرس فيه ثقافة الإختلاف و النقاش و المساءلة، و توفر له كل الإمكانيات لينشأ في بيئة سليمة تعترف به و بأفكاره و تشجعه على التميز و الإختلاف. كما يتم تلقينه احترام الرأي الآخر و اعتبار الإختلاف في الأراء و المعتقد و الفكر من سنن الحياة و من طبيعة الكائن البشري.


فثقافة الإختلاف إذن تعني احترام كل وجهة نظر و رأي و اختيار مخالف لأرائنا و أفكارنا و اختياراتنا و سماعه و مناقشته في أجواء يسود فيها الإحترام و الهدوء و سعة صدر و ذلك بفسح المجال لصاحبها للتعبير عنها و شرحها. فكما هو معروف، فاختلاف الآراء و الأذواق و الأفكار رحمة و قد تكون سبب ازدهاز المجتمعات و اغتنائها. أما الخلاف فهو يسبب في تحجر المجتمعات و تخلفها و جر الويلات عليها




ثقافة الاختلاف : أزمة فكر أم أزمة أخلاق ؟                         








نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أنت والآخرون في هذه الحياة قد تتفق وقد تختلف .. وهذه من سنن الحياة

فليس كل ما يعجبك فهو بالضرورة سيعجب الآخرون 

وليس كل ما تؤمن به من أفكار ومعتقدات , بالضرورة أن تكون لها لدى الآخرين نفس

الاعتقاد والإيمان أو لها نفس الدرجة من التأثير والأهمية 

وليس كل ما تراه صحيحًا , هو في نظر ورؤية الآخرين كذلك 

كذلك ليس كل ما تراه في مفهومك على كونه خطأ .. قد يبدو على نفس الصورة في

مفهوم الآخرين ..

كما أن ليس كل ما يناسب ذوقك وتعشقه قد يناسب الآخر ويقبله 

وقديمًا قيل : أن الناس في ما يعشقون مذاهب .. كما قيل : لولا اختلاف الأذواق لبارت بعض

السلع في الأسواق 

وأحب أن أوضح هنا منذ البداية أنني لا أقصد بالاختلاف بعبارة ( المعتقد ) الجانب الديني 

ذلك الخلاف المتعلق بالاختلاف بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل ، لدرجة التباين بين

الإيمان والكفر أبدًا

فالمسألة هنا يجب أن تكون على جانب من الوعي .. وعيٍ لهذه الحقيقة الإنسانية , وإنما

ما أقصده هو الاختلاف الذي يتراوح بين التباين الفكري المتعلق بالفروع ضمن المذهب

الفكري الواحد , وضمن النهج الواحد , وضمن الذوق الواحد , والرؤية الواحدة الظاهرة

للجميع سواء للأحداث ومجرياتها أو للواقع وتشخيصه , أو بصفة عامة لمجمل قضايا العصر

واختلافها , وسواء كان هذا الخلاف متعلق بالنظريات الفكرية أو متعلق بأصحابها من حيث

طبيعتهم الإنسانية 

وطالما أن المسألة متعلقة بالوعي فهي حالةٌ يجب أن تكون فوق الاستلاب العقلي أو

العاطفي ، وفوق التصور لمفهوم واحد مفروض على الجميع إتباعه أو التسليم به 


ذلك أن فهم ما يعنيه الخلاف مع الآخر ( المخالف للمعتقد الديني ) أو قبوله يقتضي إدراك أن

هذا القبول لا يتعدى من الناحية العملية سوى ( تفهُّم ) لوجود هذا الآخر واحترام وجوده

ورأيه , ولا يقتضي بأي حال من الأحوال اعتناق فكر هذا الآخر أو التماهي معه أو تحول

صاحب فكرة القبول ليصبح هو نفسه ذلك الآخر أبدًا , وعمومًا ليس هذا هو موضوعنا


الأساسي في هذا المقال


لكن بعض الناس هداهم الله لا يتفهمون لمثل هذه الحقائق الثابتة تجاه المعتقد والذوق

والرؤية والمفهوم بشكل عام .. ويتغاضون عنه إما بسبب الجهل لتلك الحقائق .. وإما بسبب

التعنت والسلطوية في فرض الرأي والفكر والمعتقد وحتى مسألة الذوق الواحد على كل

بني البشر 



أقول أن المقصود هنا هو اختلاف أبناء المجتمع الواحد والمعتقد الواحد .. والمنهج الواحد

وهذا هو المحور الأساسي لموضوعنا , حتى لا يلتبس المفهوم على البعض 

وبداية لعلنا قد لا نختلف أن من حق أي إنسان في هذا الكون أن يحب ما يشاء وأن يكره ما

يشاء , يؤمن بما يشاء من الأفكار , ويكفر بما يشاء وأن يرفض كذلك ما يشاء في هذه

الحياة من أوضاع أو تصورات أو مفاهيم , كذلك هو الحال فيما يتعلق بجانب علاقته بالأحياء

أيضا 

لكن ليس من حقه أن يفرض كذلك على الآخرين أن يكونوا صورة ( طبق الأصل ) منه ولما

يعتمل داخل نفسه أو عقله , أو يكونوا على نفس الفكر والرؤية والمنهج والرأي والمفهوم

الذي هو عليه أو متبعه في حياته 

كما أنه ليس من حقه أن يقف موقف ( العداء ) مع الآخرين في حالة الاختلاف معه .. أو أن

يسفه آرائهم ومعتقداتهم وأذواقهم , لا لشيء .. ولا لكونها تخالف الثوابت الدينية أو

الاجتماعية أو الأعراف أو التقاليد أو العادات التي تجمعه بهم .. أو لكونها تتعارض مع

الأخلاق , والمبادئ الإنسانية أو مع العقل السليم أو المنطق القويم , لا لكونها تتماس مع

شيء من ذلك من قريب أو بعيد على الإطلاق .. ولكن لكونها لم تتفق مع ما يؤمن به هو 

ولكونها لم تتماشى مع توجهه أو فكره أو معتقده أو ذوقه أو رؤيته أو رأيه



ويأسف الإنسان كثيرًا عندما يسمع ما يدور بين أبناء المجتمع الواحد , والمعتقد الواحد ,

والمنهج الواحد , سواء عندما يسمع أو يشاهد أن لغة الخطاب في الخلاف أو الاختلاف

بينهم إزاء بعض القضايا أو المواضيع يصل فيها الحد في رفض أو عدم قبول رأي أو وجهة نظر

الطرف الآخر .. يصل إلى مدى جدًا مؤسف ومشين وتتخذ في تعابيرها عن هذا الرفض صور

  
يحمل النوع التالي من العبارات القاسية والمشينة 

  ,أنت حمار , أنت مهبول , أنت جاهل , أنت غبي , أنت أحمق

أنت ما تفهمشي , أنت متخلف , أنت كافر , أنت علماني , أنت متطرف , أنت إرهابي , أنت

(فاسق , أنت ملحد , أنت , خائن , أنت عميل

حقًا يأسف الإنسان كثيرًا لسماع مثل تلك الأوصاف في تلك العبارات تتناقل بين المختلفين

أو المتعارضين في الفكر أو الرؤية أو المفهوم .. يأسف لوصول مستوى ( ثقافة الاختلاف )

إلى هذا المستوى بين بعض الناس , خاصة بين تلك الفئة من الناس ممن يدعون بأنهم

أصحاب فكر وثقافة واسعة ومعرفة بأمور الدين والدنيا , وهي ( ظاهرة ) تدل في نفس

الوقت على دلالة صريحة مفادها أننا أمة تفتقر إلى ( ثقافة الاختلاف ) , بل وتنعدم فيها كل

أسسها ومقوماتها
معالم الاختلاف


أوَّلاً_ لا بُدَّ مِن الإقرار بأنَّه مَا مِن شيء في حياة الإنسان سَلِم مِن الاختلاف، وإنْ تفاوتَتْ درجتُه؛ فهو واقعٌ بين أهْلِ العلوم التجريبيَّة، وأكثر مِنه بين أهْلِ العلوم الإنسانيَّة؛ إذ العقول مَهْما اتَّفقتْ، لا بُدَّ أنْ تختلفَ، والعامَّةُ _غالبًا_ تبَعٌ لنواتج عقول رؤسائهم، وتلك التَّبَعيَّة إمَّا أنْ تكون عَمياء، وإمَّا ناقدة مسئولة، وأهْلُ الأخيرة قليلٌ



 ثانيًا: يَلزم عن القول بالاختلاف أنَّ هناك مسألةً هي مَوطنُه، وأطرافًا هي العقول الرئيسة، وأتباعًا قد يتفاوتون في العَدَد، أو القُدرات، أو الثِّقة بالرُّؤساء

ثالثًا: الدافِع إلى التفكير في الاختلاف قد يكون هو الهَوَى؛ طَلبًا لمَصْلحة خاصَّة، لا تتحقَّق إلا بالمُخالَفة، وقد يكون الدَّافِع هو البَحْث عن الحَقِّ في المسألة، ولا رَيْبَ أنَّ الأوَّلَ لا يَصمد كثيرًا أمام طُلاَّب البَحث والحقيقة الذين "لا يقفون عند حَدٍّ، ولا يَقنعون بمَغنَم، وجُلُّ هَمِّهم أنْ يُمحِّصوا، ويُجوِّدوا، وأنْ يُهذِّبوا، ويُنقِّحوا، وقد يكون الدَّافع _ابتداءً_ هو البَحث عن الحقيقة، ولكن يُحادُ عنه في الطريق؛ إمَّا لِهوى عارِضٍ، أو قِصَرِ نَفَسٍ، وخَطَرُ هذا الأخير أقوى مِن الهوى المَحْضِ


رابعًا: قد يُوجد مع اتِّفاق الدَّافعِ اختلافٌ في النتائج؛ وذلك راجِعٌ إلى طَريقةِ نَظَرِ كُلِّ طَرَف  إلى المسألة، وإلى ما استطاع جَمْعَه مِن أدِلَّة


خامسًا: اختيارُ الإنسانِ لمَذهبٍ ما في المسألة _مِن حيثُ تعدِّي أثرِه_ أحَدُ صِنفَيْن: إمَّا أن يتعدَّى إلى غيره، وإمَّا لا، وقد يعتقدُ المرء بضرورة التزام الآخرين ما التزمه هو؛ وذلك بدافِعَيْن أو أحَدِهما: أوَّلُهما الحِرص على أن يتحقَّق لهم مِن الفائدة كالَّذي تحقَّق له، أو يظنُّ تحقُّقه، وهذا دافعٌ مَحمودٌ في ذاتِه، أمَّا الآخرُ فهو تهيئةُ بيئةٍ مُحيطةٍ لا يشعر معها بالشذوذ


سادسًا: كُلَّما تَمكَّن العَقْل الرئيس مِن جَذب عَددٍ كبير مِن الأتباع، واستطاع أنْ يَحوزَ ثِقتَهم في رأيه، وصادَف بينهم دُعاةً لِمَذهبه ذوي قُدرة على تَقديمه كمُنقِذٍ أمْثَل، وآخرين يُمثِّلون جماعة ضَغْطٍ يُستشْهَد بها على الرأي العامِّ - ساعد ذلك في سرعة انتشار مَذهبه، وتأثيره الواضح


سابعًا: التبعيَّة الناقدة المسئولة _لا شكَّ_ تمنحُ الفكرةَ أو الرأيَ حياةً، وإنْ ماتَ الداعِي الأوَّلُ؛ لأنَّها تتمتَّع بالمُرونة، التي تسمح للأفكار بالتكيُّف مع البيئة ومُتغيِّراتها، ولكن تلك التبعيَّة قد تُرهق العقلَ الرئيسَ، وذلك كُلَّما عَلَتْ درجة تعصُّبِه لِمذهبه، وتنزيهه لنَفْسه عن التقصير، وإنَّ عقلاً لا يعترف ببشريَّته، وما يَلزم عنها مِن وجود شيء مِن النقص – لا يستحق الاتباع