ثقافة الخلاف و الإختلاف
نشأت
أغلبية مجتمعاتنا العربية على ثقافة يسود فيها الخلاف، الخلاف بمعنى
مخالفة كل ما هو يعارض أفكارنا و تفكيرنا و ميولاتنا. و تجد ثقافة الإختلاف
تلك إلى جدورنا و موروثنا القبلي و الأسري، بحيث تتجدر هاته الثقافة
الرجعية و السلبية في محيطنا و بيئتنا العربية و ترسخت في اللاشعور العربي
نتيجة للتخلف و التأخر الذي عرفته مجتمعاتنا على مختلف المجالات في العقود
الأخيرة، و ذلك نتيجة عوامل داخلية و خارجية. و يرجع سبب ثقافة الخلاف التي
نعاني منها كشعوب عربية إلى الأنظمة القبلية التي سادت و لا تزال سائدة في
بعض الدول العربية بالإضافة إلى الزعامات السياسية الأحادية و المهيمنة و
الديكتاتورية التي حكمت و لا يزال معظمها يحكم دولنا العربية. الشيء الذي
جعل معظمنا يتبنى ثقافة الخلاف و يرفض الإختلاف شكلا و مضمونا
حتى
داخل الأسر نجد هيمنة كبير العائلة على بقية افراد الأسرة في اتخاد
القرارات و إصدار الأحكام و حتى في فرض أفكاره و جعلهم يتبنوها دون السماح
بمناقشتها و إبداء الرأي فيها، وهكذا يقلد الأب الجد في السير على منوال
والده و الإبن مع إبنه حتى انتشرت العدوى في المجتمع كانتشار النار في
الهشيم.
كما يرجع ذلك إلى عدم اتباع سيرة رسولنا
محمد عليه الصلاة و السلام و الذي كان يؤمن بثقافة الإختلاف و التي هي
مناقضة لثقافة الخلاف حيث أنه كان عليه الصلاة و السلام يشاور حاشيته و
يستشيرهم و يأخذ بآرائهم و مقترحاتهم و الأمثلة على ذلك كثيرة.
أما
في زمننا هذا فلكبير العائلة و لمن هو أكثر منا منصبا و جاها الحق في قبول
و رفض أي شيء. و كلامه مقدس و لا يصح مناقشته أو حتى إبداء ملاحظة على
كلامه أو أعماله و قد يكون مصير الفرد السجن و في بعض البلاد العربية القتل
إن تفوه برأي مخالف أو مناقض لكلام الزعيم. وهذا ما يجعل مجتمعاتنا أغلبها
فاقدة لروح المبادرة و للإنتاج الفكري و الثقافي و الفني بالإضافة إلى
استفحال مظاهر الإجرام و القتل و الإرهابولذلك آثار سلبية على تنشئة
أطفالنا و نموهم الفكري و القيمي نتيجة لترعرعهم في ثقافة خلافية تجرم و
تكفر و تقصي كل من سولت له نفسه مناقشة كبيرنا من الأب إلى الحاكم. ونجد
عكس ذلك في الدول المتقدمة و الديمقراطية، حيث أن الطفل يغرس فيه ثقافة
الإختلاف و النقاش و المساءلة، و توفر له كل الإمكانيات لينشأ في بيئة
سليمة تعترف به و بأفكاره و تشجعه على التميز و الإختلاف. كما يتم تلقينه
احترام الرأي الآخر و اعتبار الإختلاف في الأراء و المعتقد و الفكر من سنن
الحياة و من طبيعة الكائن البشري.
فثقافة الإختلاف
إذن تعني احترام كل وجهة نظر و رأي و اختيار مخالف لأرائنا و أفكارنا و
اختياراتنا و سماعه و مناقشته في أجواء يسود فيها الإحترام و الهدوء و سعة
صدر و ذلك بفسح المجال لصاحبها للتعبير عنها و شرحها. فكما هو معروف،
فاختلاف الآراء و الأذواق و الأفكار رحمة و قد تكون سبب ازدهاز المجتمعات و
اغتنائها. أما الخلاف فهو يسبب في تحجر المجتمعات و تخلفها و جر الويلات
عليها
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire