samedi 10 mars 2012



ثقافة الاختلاف : أزمة فكر أم أزمة أخلاق ؟                         








نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أنت والآخرون في هذه الحياة قد تتفق وقد تختلف .. وهذه من سنن الحياة

فليس كل ما يعجبك فهو بالضرورة سيعجب الآخرون 

وليس كل ما تؤمن به من أفكار ومعتقدات , بالضرورة أن تكون لها لدى الآخرين نفس

الاعتقاد والإيمان أو لها نفس الدرجة من التأثير والأهمية 

وليس كل ما تراه صحيحًا , هو في نظر ورؤية الآخرين كذلك 

كذلك ليس كل ما تراه في مفهومك على كونه خطأ .. قد يبدو على نفس الصورة في

مفهوم الآخرين ..

كما أن ليس كل ما يناسب ذوقك وتعشقه قد يناسب الآخر ويقبله 

وقديمًا قيل : أن الناس في ما يعشقون مذاهب .. كما قيل : لولا اختلاف الأذواق لبارت بعض

السلع في الأسواق 

وأحب أن أوضح هنا منذ البداية أنني لا أقصد بالاختلاف بعبارة ( المعتقد ) الجانب الديني 

ذلك الخلاف المتعلق بالاختلاف بين أصحاب الحق وأصحاب الباطل ، لدرجة التباين بين

الإيمان والكفر أبدًا

فالمسألة هنا يجب أن تكون على جانب من الوعي .. وعيٍ لهذه الحقيقة الإنسانية , وإنما

ما أقصده هو الاختلاف الذي يتراوح بين التباين الفكري المتعلق بالفروع ضمن المذهب

الفكري الواحد , وضمن النهج الواحد , وضمن الذوق الواحد , والرؤية الواحدة الظاهرة

للجميع سواء للأحداث ومجرياتها أو للواقع وتشخيصه , أو بصفة عامة لمجمل قضايا العصر

واختلافها , وسواء كان هذا الخلاف متعلق بالنظريات الفكرية أو متعلق بأصحابها من حيث

طبيعتهم الإنسانية 

وطالما أن المسألة متعلقة بالوعي فهي حالةٌ يجب أن تكون فوق الاستلاب العقلي أو

العاطفي ، وفوق التصور لمفهوم واحد مفروض على الجميع إتباعه أو التسليم به 


ذلك أن فهم ما يعنيه الخلاف مع الآخر ( المخالف للمعتقد الديني ) أو قبوله يقتضي إدراك أن

هذا القبول لا يتعدى من الناحية العملية سوى ( تفهُّم ) لوجود هذا الآخر واحترام وجوده

ورأيه , ولا يقتضي بأي حال من الأحوال اعتناق فكر هذا الآخر أو التماهي معه أو تحول

صاحب فكرة القبول ليصبح هو نفسه ذلك الآخر أبدًا , وعمومًا ليس هذا هو موضوعنا


الأساسي في هذا المقال


لكن بعض الناس هداهم الله لا يتفهمون لمثل هذه الحقائق الثابتة تجاه المعتقد والذوق

والرؤية والمفهوم بشكل عام .. ويتغاضون عنه إما بسبب الجهل لتلك الحقائق .. وإما بسبب

التعنت والسلطوية في فرض الرأي والفكر والمعتقد وحتى مسألة الذوق الواحد على كل

بني البشر 



أقول أن المقصود هنا هو اختلاف أبناء المجتمع الواحد والمعتقد الواحد .. والمنهج الواحد

وهذا هو المحور الأساسي لموضوعنا , حتى لا يلتبس المفهوم على البعض 

وبداية لعلنا قد لا نختلف أن من حق أي إنسان في هذا الكون أن يحب ما يشاء وأن يكره ما

يشاء , يؤمن بما يشاء من الأفكار , ويكفر بما يشاء وأن يرفض كذلك ما يشاء في هذه

الحياة من أوضاع أو تصورات أو مفاهيم , كذلك هو الحال فيما يتعلق بجانب علاقته بالأحياء

أيضا 

لكن ليس من حقه أن يفرض كذلك على الآخرين أن يكونوا صورة ( طبق الأصل ) منه ولما

يعتمل داخل نفسه أو عقله , أو يكونوا على نفس الفكر والرؤية والمنهج والرأي والمفهوم

الذي هو عليه أو متبعه في حياته 

كما أنه ليس من حقه أن يقف موقف ( العداء ) مع الآخرين في حالة الاختلاف معه .. أو أن

يسفه آرائهم ومعتقداتهم وأذواقهم , لا لشيء .. ولا لكونها تخالف الثوابت الدينية أو

الاجتماعية أو الأعراف أو التقاليد أو العادات التي تجمعه بهم .. أو لكونها تتعارض مع

الأخلاق , والمبادئ الإنسانية أو مع العقل السليم أو المنطق القويم , لا لكونها تتماس مع

شيء من ذلك من قريب أو بعيد على الإطلاق .. ولكن لكونها لم تتفق مع ما يؤمن به هو 

ولكونها لم تتماشى مع توجهه أو فكره أو معتقده أو ذوقه أو رؤيته أو رأيه



ويأسف الإنسان كثيرًا عندما يسمع ما يدور بين أبناء المجتمع الواحد , والمعتقد الواحد ,

والمنهج الواحد , سواء عندما يسمع أو يشاهد أن لغة الخطاب في الخلاف أو الاختلاف

بينهم إزاء بعض القضايا أو المواضيع يصل فيها الحد في رفض أو عدم قبول رأي أو وجهة نظر

الطرف الآخر .. يصل إلى مدى جدًا مؤسف ومشين وتتخذ في تعابيرها عن هذا الرفض صور

  
يحمل النوع التالي من العبارات القاسية والمشينة 

  ,أنت حمار , أنت مهبول , أنت جاهل , أنت غبي , أنت أحمق

أنت ما تفهمشي , أنت متخلف , أنت كافر , أنت علماني , أنت متطرف , أنت إرهابي , أنت

(فاسق , أنت ملحد , أنت , خائن , أنت عميل

حقًا يأسف الإنسان كثيرًا لسماع مثل تلك الأوصاف في تلك العبارات تتناقل بين المختلفين

أو المتعارضين في الفكر أو الرؤية أو المفهوم .. يأسف لوصول مستوى ( ثقافة الاختلاف )

إلى هذا المستوى بين بعض الناس , خاصة بين تلك الفئة من الناس ممن يدعون بأنهم

أصحاب فكر وثقافة واسعة ومعرفة بأمور الدين والدنيا , وهي ( ظاهرة ) تدل في نفس

الوقت على دلالة صريحة مفادها أننا أمة تفتقر إلى ( ثقافة الاختلاف ) , بل وتنعدم فيها كل

أسسها ومقوماتها

1 commentaire:

  1. من المؤسف حقاً هو أن إفتقادنا لثقافة الإختلاف نتيجة قصور في إستيعاب الآخر وعدم إخلاص النية في الوصول إلى الحق فنجد أنه تصدر بعض الألفاظ


    أو العبارات حينما يختلف البعض فيما بينهم تصدر تلك ( الأحكام المستعجلة ) من أناس من الغريب والمدهش أنهم متعلمون وأصحاب درجات علمية


    عالية وأصحاب فكر وثقافة واسعة بأمور الدين والدنيا هنا الكارثة الحقيقية والألم ففي الوقت الذي يتوقع منهم أن يكونوا هم ممن يحاربون هذه الصورة


    ( المقيتة ) عند حدوث الإختلاف بين ( العامة ) إذ نجدهم للأسف الشديد هم من يحملون لواء التعصب والتعنصر والإقصاء والإلغاء ومصادرة حرية الرأي


    وعدم إحترام الراي الآخر ويرمون كل من يختلف معهم بأوصاف تبدأ بالتسفيه والجهل .. و أحياناً تنتهي بالتفسيق والتكفير والتخوين والعمالة ..

    RépondreSupprimer