samedi 10 mars 2012

معالم الاختلاف


أوَّلاً_ لا بُدَّ مِن الإقرار بأنَّه مَا مِن شيء في حياة الإنسان سَلِم مِن الاختلاف، وإنْ تفاوتَتْ درجتُه؛ فهو واقعٌ بين أهْلِ العلوم التجريبيَّة، وأكثر مِنه بين أهْلِ العلوم الإنسانيَّة؛ إذ العقول مَهْما اتَّفقتْ، لا بُدَّ أنْ تختلفَ، والعامَّةُ _غالبًا_ تبَعٌ لنواتج عقول رؤسائهم، وتلك التَّبَعيَّة إمَّا أنْ تكون عَمياء، وإمَّا ناقدة مسئولة، وأهْلُ الأخيرة قليلٌ



 ثانيًا: يَلزم عن القول بالاختلاف أنَّ هناك مسألةً هي مَوطنُه، وأطرافًا هي العقول الرئيسة، وأتباعًا قد يتفاوتون في العَدَد، أو القُدرات، أو الثِّقة بالرُّؤساء

ثالثًا: الدافِع إلى التفكير في الاختلاف قد يكون هو الهَوَى؛ طَلبًا لمَصْلحة خاصَّة، لا تتحقَّق إلا بالمُخالَفة، وقد يكون الدَّافِع هو البَحْث عن الحَقِّ في المسألة، ولا رَيْبَ أنَّ الأوَّلَ لا يَصمد كثيرًا أمام طُلاَّب البَحث والحقيقة الذين "لا يقفون عند حَدٍّ، ولا يَقنعون بمَغنَم، وجُلُّ هَمِّهم أنْ يُمحِّصوا، ويُجوِّدوا، وأنْ يُهذِّبوا، ويُنقِّحوا، وقد يكون الدَّافع _ابتداءً_ هو البَحث عن الحقيقة، ولكن يُحادُ عنه في الطريق؛ إمَّا لِهوى عارِضٍ، أو قِصَرِ نَفَسٍ، وخَطَرُ هذا الأخير أقوى مِن الهوى المَحْضِ


رابعًا: قد يُوجد مع اتِّفاق الدَّافعِ اختلافٌ في النتائج؛ وذلك راجِعٌ إلى طَريقةِ نَظَرِ كُلِّ طَرَف  إلى المسألة، وإلى ما استطاع جَمْعَه مِن أدِلَّة


خامسًا: اختيارُ الإنسانِ لمَذهبٍ ما في المسألة _مِن حيثُ تعدِّي أثرِه_ أحَدُ صِنفَيْن: إمَّا أن يتعدَّى إلى غيره، وإمَّا لا، وقد يعتقدُ المرء بضرورة التزام الآخرين ما التزمه هو؛ وذلك بدافِعَيْن أو أحَدِهما: أوَّلُهما الحِرص على أن يتحقَّق لهم مِن الفائدة كالَّذي تحقَّق له، أو يظنُّ تحقُّقه، وهذا دافعٌ مَحمودٌ في ذاتِه، أمَّا الآخرُ فهو تهيئةُ بيئةٍ مُحيطةٍ لا يشعر معها بالشذوذ


سادسًا: كُلَّما تَمكَّن العَقْل الرئيس مِن جَذب عَددٍ كبير مِن الأتباع، واستطاع أنْ يَحوزَ ثِقتَهم في رأيه، وصادَف بينهم دُعاةً لِمَذهبه ذوي قُدرة على تَقديمه كمُنقِذٍ أمْثَل، وآخرين يُمثِّلون جماعة ضَغْطٍ يُستشْهَد بها على الرأي العامِّ - ساعد ذلك في سرعة انتشار مَذهبه، وتأثيره الواضح


سابعًا: التبعيَّة الناقدة المسئولة _لا شكَّ_ تمنحُ الفكرةَ أو الرأيَ حياةً، وإنْ ماتَ الداعِي الأوَّلُ؛ لأنَّها تتمتَّع بالمُرونة، التي تسمح للأفكار بالتكيُّف مع البيئة ومُتغيِّراتها، ولكن تلك التبعيَّة قد تُرهق العقلَ الرئيسَ، وذلك كُلَّما عَلَتْ درجة تعصُّبِه لِمذهبه، وتنزيهه لنَفْسه عن التقصير، وإنَّ عقلاً لا يعترف ببشريَّته، وما يَلزم عنها مِن وجود شيء مِن النقص – لا يستحق الاتباع


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire